جه بالدعاء لغير الله سبحانه وتعالى آفة خطيرة ابتلينا بها في
الأزمنة الأخيرة، وهي أن أناساً يشركون من حيث لا يشعرون، والعياذ بالله رب
العالمين.
ومع أنهم يقرؤون في كتاب الله عز وجل: ( وَلا
تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ
فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)
(يونس:106).
ويقرأ
أيضاً هذا الذي يتوجه لغير الله بالدعاء قول الله عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ
عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الأحقاف:5).
ويقرأ
أيضاً قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ) (غافر من الآية:60)، وقوله عز وجل:)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا
كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)(الأنعام: من الآية17)
وكلنا
يحفظ منذ الصغر حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، عندما قال: كنت رديف رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل
الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت
على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على
أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام و جفت
الصحف" (1).
إن
الإنسان الذي ينسى في غمرات الحياة، ويغيب اليقين في قلبه ويتبخر التوحيد الخالص من قلبه؛ يتوجه لغير
الله تعالى بالدعاء، فكيف تجعل عبادتك لغير الله عز وجل؟ وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن
الدعاء هو العبادة" (2).
ثم لما سئل النبي
صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة من الصحابة، كان الله تعالى يجيب في القرآن
عن هذه الأسئلة بقوله سبحانه :" قل"، كما
في قوله تعالى:
- (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة من الآية:219).
-
(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ
خَيْرٌ ) (البقرة
من الآية:220).
-( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ
هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(البقرة من الآية:189).
-
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ) (النساء:176).
فكل الأسئلة التي يسأل فيها النبي صلى الله
عليه وسلم يقول له رب العباد: "قل"، إلا سؤالاً واحداً عندما سألوه،
وقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟
يعني هل
رب العباد سبحانه وتعالى قريب فننادي عليه بصوت منخفض أم بعيد فنرفع صوتنا
في النداء عليه؟ قال سبحانه وتعالى:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
(البقرة:186).
"
فَإِنِّي قَرِيبٌ " ما قالت الآية:" قل" أو" فقل"، لا؛ لأنه لا واسطة بين
العبد و بين ربه. فكيف أدعو أنا إنساناً أو بشراً، لا يملك لنفسه نفعاً ولا
ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورا؟! كيف يذهب الإنسان إلى ضريح من
الأضرحة؛ ليتوسل إلى الله عز وجل بهذا أو بذاك؟ أو يسأل المتوفى المدفون
داخل هذا الضريح شيئاً، وهو بشر مثله لا يملك لنفسه شيئاً؟
والإنسان
يجب أن يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى،
ولذلك بعض
العلماء وضحوا لنا مسألة العقيدة السليمة عندما ضربوا لنا بعض الأمثلة،
فقالوا مثلاً (كقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتاب
التوحيد): من قال لولا الكلاب لسرقتنا اللصوص لكان في قلبه شرك والعياذ
بالله، كذلك من قال لولا الطبيب لمات الغلام، ولولا فلان لما اشتغل أو عمل
فلان، قل: لولا فضل الله على يد فلان، ولولا تيسير الله عز وجل عن طريق
فلان، ولولا كرم الله عز وجل على تسهيل وتذليل العقبة من فلان أو فلان
وهكذا.
ولذلك لما قال الأعرابي يا رسول الله: ما شاء
الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا؟! قل: "ما شاء الله ثم
شئت" (3).
فالإنسان يجب أن
يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى "فإذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" (4).
فالقضية أن الإنسان يتوجه إلى الله بالدعاء،
وتوجهك إلى رب العالمين بالدعاء يجب أن تكون مخبتاً منيباً ذليلاً إلى رب
العباد، تطرق باب الله عز وجل بذلةٍ وبمسكنة.
إن لله
عباداً إذا أرادوا أراد، منهم البراء بن عازم رضي الله عنه، عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره
منهم البراء بن مالك"، ثم إن البراء لقي
زحفاً من المشركين، وقد أوجع المشركون في المسلمين، فقالوا له يا براء إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أقسمت على ربك لأبرك فأقسم على ربك فقال
أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة
السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا أقسم يا براء على ربك عز وجل قال أقسم
عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمنحوا
أكتافهم وقتل البراء (5)، سبحان الله! فكانت الإجابة كما طلب رضي الله عنه.
إذاً
هؤلاء عباد لهم دلال على رب العباد سبحانه وتعالى، هؤلاء عباد اتقوا رب
العباد عز وجل فذلل الله لهم المسألة لأنهم وحدوا الله حق التوحيد.
أما نحن
فعندما مثلاً يأتي الإنسان في قضية ما، في الدنيا ويقول لزوجته أو لابنه:
أنا ذهبت إلى المحامي الفلاني وهذا محامي شهير وهذا محامي لا يخسر قضية
أبداً وهذا محامي إذا دخل فإن القضاء يهتز والقاضي يعني سبحان الله! يخاف
منه أو يعمل له ألف حساب وقد أخذ مبلغاً كبيراً ولذلك أنا واثق من أن أكسب
القضية، ولذلك أعطيته توكيلاُ عاماً في المسألة وينام هذا الموكل قرير
العين هانئاً، لماذا؟! لأنه جاء بهذا المحامي الحذق الفطن الذكي اللماح
الألمعي، وربما ينسى الموكل القضية برمتها بعد مدة ويذهب للمحامي ليترافع
هنا وهناك وربما لا يعلم صاحب القضية بالمسألة، وربما قد نسي صاحب القضية
قضيته لأنه وكل هذا المحامي الماهر الذي له هذه الخبرة الطويلة. هذا في بشر
ولله المثل الأعلى. فما بالك بمن يوكل في كل أموره رب العباد سبحانه
وتعالى؟ يتخذ الله وكيلاً، ومن يتخذ الله وكيلاً تكون النتيجة في صالحه،
ومن يتخذ الله وكيلاً يكون النصر حليفه، وتكون النهايات السعيدة دائماً
بجواره، ويكون في قلبه من اليقين ما يستطيع أن يعيش به، وهو رضي الحال هانئ
البال، كما قال أحد الصالحين: في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة
الآخرة، قيل: وما هي قال: الرضى عن الله عز وجل وبالله.
فالإنسان
المسلم الملتزم، راض بقليل الأمر وكثيره، إن رزق قليلاً حمد الله، وإن رزق
كثيراً شكر الله، وإن مرض، قال: والله أنا من أهل الابتلاء، والابتلاء
ميراث النبوة، ومن قل حظه من الابتلاء فقد قل حظه من ميراث النبوة.
وإن
جاءته الصحة حمد الله رب العالمين، واستخدمها في طاعة الله سبحانه تعالى،
إن جاءه المال تصدق،إن لم يأته المال استرجع ورمى الأمر برمته عند رب
العباد سبحانه وتعالى، ثم توكل على الله حق التوكل.
هكذا
العبد كي لا يدعو غير الله يجب أن يكون عنده هذا اليقين. هذا اليقين الذي
كان عند الصحابة، رضوان الله عليهم، كان الواحد منهم، عنده يقين يساوي
الجبال الرواسي.
هذا اليقين الكبير، جعل رجلاً كأبي الدحداح
يقرض البستان الذي عنده لله رب العالمين، هذا اليقين هو الذي
جعل عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة. هذا اليقين الذي جعل أنس بن النضر يشم
رائحة الجنة خلف أُحد.
هذا اليقين هو الذي جعل مصعب بن عمير، رضي
الله عنه، الفتى الحريري لما كان في مكة؛ أول سفير في الإسلام، وأدخل
الإسلام، بفضل الله، في المدينة المنورة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
إليها كل بيت من بيوت المدينة، بإسلام واحد من أهل هذا البيت، أو أكثر أو
الأسرة كلها.
هذا مصعب الذي عندما مات ما وجدوا له كفناً،
إذا غطوا وجهه ظهرت قدماه، وإن غطوا قدميه ظهر وجهه، فغطوا وجهه بثوبه
القصير، وغطوا قدميه بشيء من نبات الإذخر.
هذا
اليقين الكبير الذي كان عندهم هو الذي جعلهم يحيون في هذه الحياة ملوكاً،
قالها ربعي بن عامر، رضي الله عنه، عندما دخل على رستم وقال له: ما الذي جاء بكم أيها البدو من صحرائكم؟!
إذا ربعي ينطق له وللبشرية كلها على مر الزمن: إن الله ابتعثنا لنخرج
العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور
الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة (6).
هذا هو
اليقين الذي جعل هؤلاء المؤمنين موصولين بالله سبحانه وتعالى, فكان توكلهم
على الله صادقاً، فجاءهم هذا اليقين الذي جعل الواحد منهم لا يدعو إلا رب
العباد سبحانه وتعالى.
هذا أبو حازم لما رآه هارون الرشيد عند
الحرم قال يا أبا حازم: سلنا حاجتك قال: أستحي من ربي وأنا في بيته أن أسأل
أحداً غيره، فانتظر أمير المؤمنين حتى خرج وخرج عن حدود الحرم في طريقه
إلى المدينة اقترب أمير المؤمنين منه وقال: يا أبا حازم سلنا حاجتك، قال يا
أمير المؤمنين: حاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟! قال: أما
الآخرة فلا أملكها (يعني الآخرة لا أستطيع أن أعطيك شئ فيها) ولكن أقصد
حاجة في حوائج الدنيا، قال أبو حازم: إذا كنت ما طلبتها (في الدنيا يعني)
ممن يملكها فكيف أطلبها ممن لا يملكها. يعني سبحان الله هذا إنسان قوي
يقينه بالله سبحانه تعالى وصدق توكله على رب العباد سبحانه عز وجل عندئذٍ
جاءه هذا اليقين برداً وسلاماً على قلبه لا يطلب شيئاً من أحد إلا الله رب
العالمين لا يطلب و لا يدعو ولا يتوكل إلا على رب العباد (7).
فإذاً أن أتوجه
بالدعاء لغير الله هذه مصيبة كبيرة وهذا يعني شيء يجب أن يتقي العبد ربه
ويصحح نيته ويخلص توحيده وعقيدته لله رب العالمين.
أحبتي في
الله، إن التوجه بالدعاء لغير الله عز وجل لون من ألوان الشرك، والعياذ
بالله رب العالمين، يجب أن يكون توجهك لرب العباد سبحانه، وأن تدعوا بإخلاص
في النية، وأن لا تقول: إنه لم يستجب لي في كذا وكذا ولكن عليك بالدعاء
ولا تستعجل،"سوف يستجاب
لأحدكم ما لم يستعجل" قالوا: كيف الاستعجال يا رسول الله قال: "يقول دعوت
ودعوت فلم يستجب لي" (8)فعندئذٍ يترك الدعاء والله لا يمل حتى يمل العبد؛ فإن الله سبحانه
وتعالى هو الصبور، الذي يصبر على عباده، والذي لا يعاجلهم بالعقوبة رغم
ذنوبهم، والذي يستجيب لهم.
اللهم
أجعل دعاءنا لك وحدك يا رب العباد وأغننا بفضلك عمن سواك وأغننا بحلالك عن
حرامك وأقمنا على طريقك،
يا رب العباد لك غيرنا كثير ولا رب لنا سواك فاغفر لنا وارحمنا وأنت
خير الغافرين واجعل عقيدتنا خالصة لوجهك الكريم واجعل توحيدنا خالصاً في
الأعمال كلها واليقين كله
إنك على ما تشاء قدير.
الأزمنة الأخيرة، وهي أن أناساً يشركون من حيث لا يشعرون، والعياذ بالله رب
العالمين.
ومع أنهم يقرؤون في كتاب الله عز وجل: ( وَلا
تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ
فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)
(يونس:106).
ويقرأ
أيضاً هذا الذي يتوجه لغير الله بالدعاء قول الله عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ
عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الأحقاف:5).
ويقرأ
أيضاً قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ) (غافر من الآية:60)، وقوله عز وجل:)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا
كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)(الأنعام: من الآية17)
وكلنا
يحفظ منذ الصغر حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، عندما قال: كنت رديف رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل
الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت
على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على
أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام و جفت
الصحف" (1).
إن
الإنسان الذي ينسى في غمرات الحياة، ويغيب اليقين في قلبه ويتبخر التوحيد الخالص من قلبه؛ يتوجه لغير
الله تعالى بالدعاء، فكيف تجعل عبادتك لغير الله عز وجل؟ وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن
الدعاء هو العبادة" (2).
ثم لما سئل النبي
صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة من الصحابة، كان الله تعالى يجيب في القرآن
عن هذه الأسئلة بقوله سبحانه :" قل"، كما
في قوله تعالى:
- (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة من الآية:219).
-
(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ
خَيْرٌ ) (البقرة
من الآية:220).
-( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ
هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(البقرة من الآية:189).
-
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ) (النساء:176).
فكل الأسئلة التي يسأل فيها النبي صلى الله
عليه وسلم يقول له رب العباد: "قل"، إلا سؤالاً واحداً عندما سألوه،
وقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟
يعني هل
رب العباد سبحانه وتعالى قريب فننادي عليه بصوت منخفض أم بعيد فنرفع صوتنا
في النداء عليه؟ قال سبحانه وتعالى:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
(البقرة:186).
"
فَإِنِّي قَرِيبٌ " ما قالت الآية:" قل" أو" فقل"، لا؛ لأنه لا واسطة بين
العبد و بين ربه. فكيف أدعو أنا إنساناً أو بشراً، لا يملك لنفسه نفعاً ولا
ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورا؟! كيف يذهب الإنسان إلى ضريح من
الأضرحة؛ ليتوسل إلى الله عز وجل بهذا أو بذاك؟ أو يسأل المتوفى المدفون
داخل هذا الضريح شيئاً، وهو بشر مثله لا يملك لنفسه شيئاً؟
والإنسان
يجب أن يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى،
ولذلك بعض
العلماء وضحوا لنا مسألة العقيدة السليمة عندما ضربوا لنا بعض الأمثلة،
فقالوا مثلاً (كقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتاب
التوحيد): من قال لولا الكلاب لسرقتنا اللصوص لكان في قلبه شرك والعياذ
بالله، كذلك من قال لولا الطبيب لمات الغلام، ولولا فلان لما اشتغل أو عمل
فلان، قل: لولا فضل الله على يد فلان، ولولا تيسير الله عز وجل عن طريق
فلان، ولولا كرم الله عز وجل على تسهيل وتذليل العقبة من فلان أو فلان
وهكذا.
ولذلك لما قال الأعرابي يا رسول الله: ما شاء
الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا؟! قل: "ما شاء الله ثم
شئت" (3).
فالإنسان يجب أن
يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى "فإذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" (4).
فالقضية أن الإنسان يتوجه إلى الله بالدعاء،
وتوجهك إلى رب العالمين بالدعاء يجب أن تكون مخبتاً منيباً ذليلاً إلى رب
العباد، تطرق باب الله عز وجل بذلةٍ وبمسكنة.
إن لله
عباداً إذا أرادوا أراد، منهم البراء بن عازم رضي الله عنه، عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره
منهم البراء بن مالك"، ثم إن البراء لقي
زحفاً من المشركين، وقد أوجع المشركون في المسلمين، فقالوا له يا براء إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أقسمت على ربك لأبرك فأقسم على ربك فقال
أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة
السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا أقسم يا براء على ربك عز وجل قال أقسم
عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمنحوا
أكتافهم وقتل البراء (5)، سبحان الله! فكانت الإجابة كما طلب رضي الله عنه.
إذاً
هؤلاء عباد لهم دلال على رب العباد سبحانه وتعالى، هؤلاء عباد اتقوا رب
العباد عز وجل فذلل الله لهم المسألة لأنهم وحدوا الله حق التوحيد.
أما نحن
فعندما مثلاً يأتي الإنسان في قضية ما، في الدنيا ويقول لزوجته أو لابنه:
أنا ذهبت إلى المحامي الفلاني وهذا محامي شهير وهذا محامي لا يخسر قضية
أبداً وهذا محامي إذا دخل فإن القضاء يهتز والقاضي يعني سبحان الله! يخاف
منه أو يعمل له ألف حساب وقد أخذ مبلغاً كبيراً ولذلك أنا واثق من أن أكسب
القضية، ولذلك أعطيته توكيلاُ عاماً في المسألة وينام هذا الموكل قرير
العين هانئاً، لماذا؟! لأنه جاء بهذا المحامي الحذق الفطن الذكي اللماح
الألمعي، وربما ينسى الموكل القضية برمتها بعد مدة ويذهب للمحامي ليترافع
هنا وهناك وربما لا يعلم صاحب القضية بالمسألة، وربما قد نسي صاحب القضية
قضيته لأنه وكل هذا المحامي الماهر الذي له هذه الخبرة الطويلة. هذا في بشر
ولله المثل الأعلى. فما بالك بمن يوكل في كل أموره رب العباد سبحانه
وتعالى؟ يتخذ الله وكيلاً، ومن يتخذ الله وكيلاً تكون النتيجة في صالحه،
ومن يتخذ الله وكيلاً يكون النصر حليفه، وتكون النهايات السعيدة دائماً
بجواره، ويكون في قلبه من اليقين ما يستطيع أن يعيش به، وهو رضي الحال هانئ
البال، كما قال أحد الصالحين: في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة
الآخرة، قيل: وما هي قال: الرضى عن الله عز وجل وبالله.
فالإنسان
المسلم الملتزم، راض بقليل الأمر وكثيره، إن رزق قليلاً حمد الله، وإن رزق
كثيراً شكر الله، وإن مرض، قال: والله أنا من أهل الابتلاء، والابتلاء
ميراث النبوة، ومن قل حظه من الابتلاء فقد قل حظه من ميراث النبوة.
وإن
جاءته الصحة حمد الله رب العالمين، واستخدمها في طاعة الله سبحانه تعالى،
إن جاءه المال تصدق،إن لم يأته المال استرجع ورمى الأمر برمته عند رب
العباد سبحانه وتعالى، ثم توكل على الله حق التوكل.
هكذا
العبد كي لا يدعو غير الله يجب أن يكون عنده هذا اليقين. هذا اليقين الذي
كان عند الصحابة، رضوان الله عليهم، كان الواحد منهم، عنده يقين يساوي
الجبال الرواسي.
هذا اليقين الكبير، جعل رجلاً كأبي الدحداح
يقرض البستان الذي عنده لله رب العالمين، هذا اليقين هو الذي
جعل عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة. هذا اليقين الذي جعل أنس بن النضر يشم
رائحة الجنة خلف أُحد.
هذا اليقين هو الذي جعل مصعب بن عمير، رضي
الله عنه، الفتى الحريري لما كان في مكة؛ أول سفير في الإسلام، وأدخل
الإسلام، بفضل الله، في المدينة المنورة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
إليها كل بيت من بيوت المدينة، بإسلام واحد من أهل هذا البيت، أو أكثر أو
الأسرة كلها.
هذا مصعب الذي عندما مات ما وجدوا له كفناً،
إذا غطوا وجهه ظهرت قدماه، وإن غطوا قدميه ظهر وجهه، فغطوا وجهه بثوبه
القصير، وغطوا قدميه بشيء من نبات الإذخر.
هذا
اليقين الكبير الذي كان عندهم هو الذي جعلهم يحيون في هذه الحياة ملوكاً،
قالها ربعي بن عامر، رضي الله عنه، عندما دخل على رستم وقال له: ما الذي جاء بكم أيها البدو من صحرائكم؟!
إذا ربعي ينطق له وللبشرية كلها على مر الزمن: إن الله ابتعثنا لنخرج
العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور
الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة (6).
هذا هو
اليقين الذي جعل هؤلاء المؤمنين موصولين بالله سبحانه وتعالى, فكان توكلهم
على الله صادقاً، فجاءهم هذا اليقين الذي جعل الواحد منهم لا يدعو إلا رب
العباد سبحانه وتعالى.
هذا أبو حازم لما رآه هارون الرشيد عند
الحرم قال يا أبا حازم: سلنا حاجتك قال: أستحي من ربي وأنا في بيته أن أسأل
أحداً غيره، فانتظر أمير المؤمنين حتى خرج وخرج عن حدود الحرم في طريقه
إلى المدينة اقترب أمير المؤمنين منه وقال: يا أبا حازم سلنا حاجتك، قال يا
أمير المؤمنين: حاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟! قال: أما
الآخرة فلا أملكها (يعني الآخرة لا أستطيع أن أعطيك شئ فيها) ولكن أقصد
حاجة في حوائج الدنيا، قال أبو حازم: إذا كنت ما طلبتها (في الدنيا يعني)
ممن يملكها فكيف أطلبها ممن لا يملكها. يعني سبحان الله هذا إنسان قوي
يقينه بالله سبحانه تعالى وصدق توكله على رب العباد سبحانه عز وجل عندئذٍ
جاءه هذا اليقين برداً وسلاماً على قلبه لا يطلب شيئاً من أحد إلا الله رب
العالمين لا يطلب و لا يدعو ولا يتوكل إلا على رب العباد (7).
فإذاً أن أتوجه
بالدعاء لغير الله هذه مصيبة كبيرة وهذا يعني شيء يجب أن يتقي العبد ربه
ويصحح نيته ويخلص توحيده وعقيدته لله رب العالمين.
أحبتي في
الله، إن التوجه بالدعاء لغير الله عز وجل لون من ألوان الشرك، والعياذ
بالله رب العالمين، يجب أن يكون توجهك لرب العباد سبحانه، وأن تدعوا بإخلاص
في النية، وأن لا تقول: إنه لم يستجب لي في كذا وكذا ولكن عليك بالدعاء
ولا تستعجل،"سوف يستجاب
لأحدكم ما لم يستعجل" قالوا: كيف الاستعجال يا رسول الله قال: "يقول دعوت
ودعوت فلم يستجب لي" (8)فعندئذٍ يترك الدعاء والله لا يمل حتى يمل العبد؛ فإن الله سبحانه
وتعالى هو الصبور، الذي يصبر على عباده، والذي لا يعاجلهم بالعقوبة رغم
ذنوبهم، والذي يستجيب لهم.
اللهم
أجعل دعاءنا لك وحدك يا رب العباد وأغننا بفضلك عمن سواك وأغننا بحلالك عن
حرامك وأقمنا على طريقك،
يا رب العباد لك غيرنا كثير ولا رب لنا سواك فاغفر لنا وارحمنا وأنت
خير الغافرين واجعل عقيدتنا خالصة لوجهك الكريم واجعل توحيدنا خالصاً في
الأعمال كلها واليقين كله
إنك على ما تشاء قدير.